Qurbani and cutting hair and nails

Qurbani and cutting hair and nails

Qurbānī and cutting hair and nails

Question

What is the preferred view regarding cutting hair and nails from 1st Dhū al-Ḥijjah onwards for the person who intends to perform Qurbānī? Is it true that according to Imam Abū Ḥanīfah, it is permissible to do so and it is not desirable to avoid doing so?

بسم الله الرحمن الرحیم

Answer

The preferred view is that it is mustaḥab (recommended) to avoid cutting hair and nails from 1st Dhū al-Ḥijjah until the Qurbānī is sacrificed. The Prophet ﷺ said, “Whoever has an animal for slaughtering, once the crescent of Dhū al-Ḥijjah has been observed, he should not cut his hair or trim his nails until he has sacrificed” (Ṣaḥīḥ Muslim, 1977).

In so far as the position of Imam Abū Ḥanīfah (d. 150/767) is concerned, we have not come across this issue in the affirmative or negative in the published books of Imam Muḥammad ibn al-Ḥasan (d. 189/805), whose books are the foundation of the school. Accordingly, there is no mention of this issue in the mutūn (primary texts), nor in their commentaries, nor in most of the earlier Fatāwā collections. This suggests that according to Imam Abū Ḥanīfah, this is not recommended. From our earlier jurists, Imam Qudūrī (d. 428/1037) indicates that according to ḥanafī scholars, cutting the hair and nails is unobjectionable, and his analysis indicates that to abstain is not mustaḥab. Faqīh Abū al-Layth al-Samarqandī (d. 373/983) appears to hold a similar view. The writings of Imam Ṭaḥāwī (d. 321/933) in three of his books indicate similar, and the passage in Mushkil al-Āthār is the most explicit in that Imam Abū Ḥanīfah and his two colleagues do not endorse the aforementioned ḥadīth. Many non-ḥanafī scholars have also attributed this view to Imam Abū Ḥanīfah and later some ḥanafī jurists and ḥadīth commentators like Ḥāfiẓ ʿAynī (d. 855/1451) and others have quoted this without critiquing it. There are also other indicators which suggest that Imam Abū Ḥanīfah did not recommend this.

However, given the authenticity of the ḥadīth, Imam Ṭaḥāwī (d. 321/933) does not agree with the position of Imam Abū Ḥanīfah and endorses abstention from cutting nails and the hair. Many later ḥanafī scholars have deemed this mustaḥab, as is the view of the Mālikī and Shāfiʿī schools of thought (the ḥanbalī school regards it necessary). They include: ʿAllāmah Ibrāhīm al-Ḥalabī (d. 956/1549), ʿAllāmah Ibn ʿĀbidīn (d. 1252/1836), Mawlānā Khalil Aḥmad Sahāranpūrī (d. 1346/1927), Muftī ʿAzīz al-Raḥman ʿUthmānī (d. 1347/1928), Shaykh Ẓafar Aḥmad ʿUthmānī (d. 1394/1974), Mufti Maḥmūd Ḥasan Gangohī (d. 1417/1996), Mufti ʿAbd al-Raḥim Lājpūrī (d. 1422/2001), Mufti Rashīd Aḥmad Ludyānwī (d. 1422/2002) and many scholars of the sub-continent. Mullā ʿAlī al-Qārī (d. 1014/1605), Mawlānā ʿAbd al-Ḥayy Laknawī (d. 1304/1886) and Mufti Muḥammad Taqī ʿUthmānī (b. 1362/1943) also appear to be inclined to this. This is the preferred view from an evidential perspective, therefore it is recommended to act accordingly. However, if a person decides to cut his hair or clip his nails, this is permissible without any sin or karāhah.

حديث أم سلمة رضي الله عنها

روى الإمام مسلم في صحيحه (١٩٧٧) عن ابن المسيب عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره وبشره شيئا. قيل لسفيان (وهو ابن عيينة): فإن بعضهم لا يرفعه، قال: لكني أرفعه. وفي سياق: إذا دخل العشر وعنده أضحية يريد أن يضحي فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا. وفي سياق: إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره. وفي سياق: من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي، انتهى۔

مذهب أبي حنيفة وصاحبيه

والظاهر من كلام أصحابنا الحنفية المتقدمين وغيرهم أن أبا حنيفة وصاحبيه لم يقل بهذا الحديث لا وجوبا ولا ندبا، ويدل عليه أن محمدا لم يذكر ندب الإمساك في كتبه المطبوعة: الأصل، والجامع الصغير، والجامع الكبير، والزيادات مع شرح قاضي خان، والسير الكبير مع شرح السرخسي، والموطأ، وكتاب الآثار، والحجة على أهل المدينة، والمخارج في الحيل، والكسب مع شرح السرخسي، ولا ذكره الحاكم في الكافي ولا السرخسي في شرحه، ولا ذكر له في المتون وشروحها المتداولة والفتاوى إلا ما سيأتي من كلام الفقيه أبي الليث، مع أن بعضهم كالجصاص في شرح مختصر الطحاوي (٧/٣١٦) والقدوري في التجريد (١٢/٦٣٢٥) والمرغيناني في الهداية (٤/٣٥٥) والزيلعي في تبيين الحقائق (٦/٢) ومن سلك سبيلهم ذكروا حديث أم سلمة في دلائل القائلين بعدم وجوب الأضحية، لكنهم لم يتعرضوا لهذه المسئلة إلا ما سيأتي من كلام القدوري، ولا تكلموا في سنده، وإنما أولوه بأن التعليق بالإرادة لا ينافي الوجوب۔

وهكذا يظهر عدم استحبابه من كلام غير الحنفية كابن المنذر في الإشراف (٣/٤١١) والخطابي في معالم السنن (٢/٢٢٧) وابن حزم في المحلى (٦/٢٨) والماوردي في الحاوي الكبير (١٥/٧٤) وابن عبد البر في الاستذكار (٤/٨٥) والتمهيد (١٧/٢٣٥) والمازري في المعلم (٣/٩٩) وابن الجوزي في كشف المشكل (٤/٤٢٥) والباجي في المنتقى (٣/٩٠) وابن قدامة في المغني (٩/٤٣٧) وأبي العباس القرطبي في المفهم (٥/٣٨٢) والنووي في شرح مسلم (١٣/١٣٨) وغيرهم، لأنهم نسبوا عدم استحبابه أو جوازه إلى أبي حنيفة أو أصحاب الرأي. وعلى سبيل المثال قال إمام الخلافيات ابن المنذر (٣/٤١١): كان مالك والشافعي يرخصان في أخذ الشعر والأظفار وإن أراد أن يضحي ما يحرم، غير أنهما يستحبان الوقوف عن ذلك عند دخول العشر إذا أراد أن يضحي. ورأى الشافعي أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أمر اختيار، ورخص فيه الزهري بغير الحاج. ورخص فيه النعمان وأصحابه وأبو ثور وإن أراد المرء أن يضحي، وممن قال بظاهر هذا الخبر ابن المسيب وأحمد وإسحاق، انتهى. وقال الباجي في المنتقى (٣/٩٠): وقال أبو حنيفة: ليس في ذلك استحباب، انتهى، وسيأتي كلام الخطابي۔

أما أصحابنا الحنفية فقال الفقيه أبو الليث السمرقندي في الفتاوى من أقاويل المشايخ في الأحكام الشرعية (ص ١٤٣، طبعة دار الكتب العلمية) وهو المعروف بكتاب النوازل (ص ٢٦٩، نسخة الدكتوراة): وسئل أبو بكر عن تقليم الأظفار وحلق الرأس في أيام العشر، قال: لا بأس سواء كان من رأيه أن يحج أو لم يكن. ألا ترى أنه لا بأس بلبس الثياب المخيطة في هذه الأيام وإن كان المحرمون لا يلبسونها، فكذلك هذا، انتهى. وقال (ص ١٤٧): وروي عن سعيد بن المسيب أنه كان إذا دخل أيام العشر لا يقلم أظفاره ولا يأخذ شاربه ولا من رأسه حتى يتشبه بالحاج والمعتمر. وقال محمد بن الأزهر: من استقلم الظفر في أيام العشر لا يؤجر. (زاد في بعض النسخ كما في نسخة الدكتوراة ص ٢٧٣: “قال الفقيه: لا نأخذ به”) وسئل عبد الله بن المبارك عن ذلك فقال: السنة لا تؤخر. قال الفقيه أبو الليث: وبه نأخذ، انتهى. وأبوبكر هو الإسكافي البلخي۔

وقال القدوري في التجريد (١٢/٦٣٤٤): قال أصحابنا: إذا دخل العشر وأراد الإنسان أن يضحي أو عين أضحيته، لم يلزمه أن يجتنب حلق الشعر وقص الأظفار، انتهى. ثم ذكر القدوري دلائل الفريقين، ولم يذكر القدوري الندب تطبيقا وجمعا بين الروايات، كما لم يذكره الطحاوي قبله، وقد قال في معاني الآثار (٤/١٨١): وخالفهم في ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس بقص الأظفار والشعر في أيام العشر لمن عزم على أن يضحي ولمن لم يعزم على ذلك، وبسط الكلام إلى أن قال: وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، انتهى. وقال: قال أصحابنا: لا بأس لمن يريد أن يضحي أن يحلق شعره ويقص أظفاره في عشر ذي الحجة، وهو قول مالك والليث، كذا في مختصر اختلاف العلماء (٣/٢٣٠). وأصرح منه ما قال في مشكل الآثار، وسيأتي كلامه۔

وهكذا قال ابن الملك في شرح المصابيح (٢/٢٦٣): وكان مالك والشافعي يريان ذلك على الاستحباب، ورخص فيه أبو حنيفة وأصحابه، انتهى. وقال العيني في البناية (١٢/٥): أراد لا يحلق شعره ولا ينتف إبطه ولا يقلم أظافره إلى يوم النحر تشبيها بالمحرمين، وإليه ذهب بعض العلماء، انتهى. فقوله بعض العلماء يشعر بأنه لم يقل به الحنفية، إلا إذا أراد وجوبه، والله أعلم، وراجع عمدة القاري (٢١/١٥٨) ونخب الأفكار (١٠/٢٩٤)، فنقل فيهما عن الشراح قبله ما يؤيد عدم استحبابه عند أبي حنيفة وصاحبيه۔

وقال علي القاري في المرقاة (٣/١٠٨١): المستحب لمن قصد أن يضحي عند مالك والشافعي أن لا يحلق شعره، ولا يقلم ظفره حتى يضحي، فإن فعل كان مكروها. وقال أبو حنيفة: هو مباح، ولا يكره، ولا يستحب. وقال أحمد بتحريمه، كذا في رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، انتهى۔

دليل الحنفية وجوابهم لحديث أم سلمة

ومستدل الحنفية كما قال الطحاوي في معاني الآثار (٤/١٨١) ومشكل الآثار (١٤/١٣٣) والقدوري (١٢/٦٣٤٤) هو حديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهدي من المدينة فأفتل قلائد هديه، ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم. وقولها: كنت أفتل قلائد الغنم للنبي صلى الله عليه وسلم فيبعث بها ثم يمكث حلالا، رواهما البخاري (١٦٩٨ و ١٧٠٣)۔

وأجاب أصحابنا لحديث أم سلمة بجوابين، الأول: حديث أم سلمة اختلف في رفعه ووقفه. قال الطحاوي (٤/١٨١): مجيء حديث عائشة رضي الله عنها أحسن من مجيء حديث أم سلمة رضي الله عنها، لأنه جاء مجيئا متواترا، وحديث أم سلمة رضي الله عنها لم يجئ كذلك، بل قد طعن في إسناد حديث مالك، فقيل: إنه موقوف على أم سلمة رضي الله عنها، انتهى. الثاني: مدار حديث أم سلمة على ابن المسيب، وهو قد ترك العمل به، لأن ابن وهب قال أخبرني مالك قال: حدثني عمارة بن عبد الله عن سعيد بن المسيب أنه قال: لا بأس بالإطلاء بالنورة في عشر ذي الحجة. قال الجصاص في مختصر اختلاف العلماء للطحاوي (٣/٢٣١) وتبعه ابن عبد البر في التمهيد (١٧/٢٣٤): تركه العمل به يدل على أنه غير ثابت أو منسوخ، انتهى. وهذا يدل على أن ابن عبد البر استفاد من كتاب الطحاوي، وقد أشرت إليه في حكم القيام لمن لا يقدر على الركوع والسجود۔

الأجوبة من القائلين بالندب

وجمع القائلون بالندب بين الأحاديث، وذكر بعضهم وجوه ترجيح حديث أم سلمة أو كونه مخصصا لحديث عائشة۔

قال الخطابي في معالم السنن (٢/٢٢٧): وكان مالك والشافعي يريان ذلك على الندب والاستحباب. ورخص أصحاب الرأي في ذلك. قلت: وفي حديث عائشة دليل على أن ذلك ليس على الوجوب، وأجمعوا أنه لا يحرم عليه اللباس والطيب كما يحرمان على المحرم، فدل ذلك على سبيل الندب والاستحباب دون الحتم والإيجاب، انتهى مختصرا۔

وروى الطحاوي في مشكل الآثار (١٤/١٤١) عن عائشة قالت: كنت أفتل قلائد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يبعث بالهدي، ويقيم عندنا لا يجتنب شيئا مما يجتنبه المحرم من أهله حتى يرجع الناس، ثم قال: فكان في هذا الحديث القصد بالذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجتنبه هو ما كان يجتنبه من أهله مما يجب على المحرم اجتنابه من أهله في إحرامه، لا ما سواه من حلق شعره ولا من قص أظفاره، وذلك لا يمنع ما في حديث أم سلمة الذي رويناه، ويكون تصحيح ما رويناه عن أم سلمة. وما رويناه عن عائشة أن يكون حديث أم سلمة على منع من أراد أن يضحي وله ما يضحي عن حلق شعره وقص أظفاره في أيام العشر حتى يضحي، وحديث عائشة على الإطلاق لما سوى قص الأظفار وحلق الشعر له من تلك الأيام، وأنه فيها بخلاف ما المحرم عليه في إحرامه في تلك الأشياء كلها، حتى تتفق هذه الآثار كلها ولا يضاد بعضها بعضا، انتهى۔

وقال ابن قدامة في المغني (٩/٤٣٧): وحديثهم عام، وهذا خاص يجب تقديمه، بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص، ولأنه يجب حمل حديثهم على غير محل النزاع لوجوه، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليفعل ما نهى عنه وإن كان مكروها. قال الله تعالى إخبارا عن شعيب: وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه، ولأن أقل أحوال النهي أن يكون مكروها، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليفعله، فيتعين حمل ما فعله في حديث عائشة على غيره. ولأن عائشة تعلم ظاهرا ما يباشرها به من المباشرة أو ما يفعله دائما، كاللباس والطيب، فأما ما يفعله نادرا كقص الشعر وقلم الأظفار مما لا يفعله في الأيام إلا مرة، فالظاهر أنها لم ترده بخبرها، وإن احتمل إرادتها إياه فهو احتمال بعيد، وما كان هكذا فاحتمال تخصيصه قريب، فيكفي فيه أدنى دليل، وخبرنا دليل قوي، فكان أولى بالتخصيص. ولأن عائشة تخبر عن فعله وأم سلمة عن قوله، والقول يقدم على الفعل لاحتمال أن يكون فعله خاصا له. إذا ثبت هذا فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار، فإن فعل استغفر الله تعالى، ولا فدية فيه إجماعا، سواء فعله عمدا أو نسيانا، انتهى۔

وهكذا قال الزركشي في شرح مختصر الخرقي (٧/٩) وحكاه عبد الحق المحدث في لمعات التنقيح (٣/٥٧٦): ولا ريب أن دلالة الأول (يعني حديث أم سلمة) أقوى، لاحتمال خصوصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، واحتمال أن قص الشعر ونحوه مما يقل فعله، إذ لا يفعل في الجمعة إلا مرة واحدة، فلعل عائشة رضي الله عنها لم ترد بقولها ذلك ثم حديث أم سلمة في الأضحية، وحديث عائشة رضي الله عنها في الهدي المرسل، فلا تعارض بينهما، وعلى هذا إذا فعل فليس عليه إلا التوبة، ولا فدية إجماعا، انتهى۔

وقال الحافظ في الفتح (١٠/٢٣): قال ابن التين: إنما أنكرت أن يصير من يبعث هديه محرما بمجرد بعثه ولم تتعرض على ما يستحب في العشر خاصة من اجتناب إزالة الشعر والظفر. وقال الحافظ: وفي الاحتجاج أيضا فإنه لا يلزم من دلالته على عدم اشتراط ما يجتنبه المحرم على المضحي أنه لا يستحب فعل ما ورد به الخبر المذكور لغير المحرم، انتهى۔

وقال الكشميري في العرف الشذي (٣/١٧٣): ومسألة حديث الباب مستحبة والغرض التشاكل بالحجاج، وأما حديث عائشة فلا يعارض ما ذكرت لأنه بعث الهدي في غير ذي الحجة، وما ذكر ما في ذي الحجة، انتهى۔

وجوه ترجيح ندب الإمساك

قال مقيده عفا الله عنه: يترجح استحباب الإمساك بعدة قرائن:۔

الأولى: التطبيق بين الأحاديث الصحيحة أولى من الترجيح إذا أمكن التطبيق، والتطبيق ممكن غير متعسر، كما تقدم من كلام الخطابي والطحاوي وابن قدامة والزركشي وابن حجر والكشميري. وكان شيخنا محمد يونس الجونفوري يقول: لا يوجد أي تعارض في الأحاديث الصحيحة، انتهى. أما قول ابن المسيب فلا ينافي حديثه، لأن الحديث محمول على الندب، وقوله محمول على الجواز، وهذا ظاهر. وأجاب ابن حزم في المحلى بستة أجوبة: أولها: أنه لا حجة في قول سعيد، وإنما الحجة التي ألزمناها الله تعالى. وثانيها أنه قد صح عن سعيد خلاف ذلك، وهو أولى بسعيد. وثالثها أنه قد يتأول سعيد في الاطلاء أنه بخلاف حكم سائر الشعر، وأن النهي إنما هو شعر الرأس فقط. ورابعها: رواية سعيد لحديث أم سلمة تدل على ضعف تلك الرواية عن سعيد، إذ لا يجوز أن يفتي بخلاف ما روى. وخامسها: أنه قد يكون المراد بقول سعيد في الاطلاء في العشر عشر المحرم لا عشر ذي الحجة، واسم العشر يطلق على عشر المحرم كما يطلق على عشر ذي الحجة. وسادسها: لعل سعيدا رأى ذلك لمن لا يريد أن يضحي، انتهى ملخصا، وفي كلام الشيخ ظفر أحمد في إعلاء السنن (١٧/٢٦٧) أجوبة لبعض هذه الإيرادات. ثم ناقش ابنُ حزم قياس الحنفية والمالكية، وما تعرضت به لأن القياس غير سائغ أمام النص الصحيح الصريح، وفيه قول فصل لشيخنا محمد تقي العثماني في تكملة فتح الملهم (٣/٣٣٠) إذ قال: التشبه بالمحرم لا يلزم أن يكون من كل الوجوه، فلو حدثت المماثلة في بعض الأمور كفت للتشبه، فيحتمل أن يكون الشارع استحب أن يتشبه المضحون بالمحرمين في بعض الأمور. ثم المشار إليه في الجواب الثاني هو ما أخرجه ابن حزم والطحاوي في مشكل الآثار (١٤/١٤٣) وابن عبد البر في الاستذكار (٤/٨٧) عن كثير أن يحيى بن يعمر كان يفتي بخراسان أن الرجل إذا اشترى أضحيته وسماها ودخل العشر أن يكف عن شعره وأظفاره حتى يضحي. قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: نعم، قلت: عمن يا أبا محمد؟ قال: عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم. قال الطحاوي بعده: فهذا هو القول عندنا في هذا الباب، وهو خلاف ما يقوله أبو حنيفة رحمه الله وأصحابه وما يقوله مالك وأصحابه، انتهى۔

الثانية: الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله إمام هذا الفن، وهو يرجح رفعه كما رجحه ابن عيينة. وقال الطحاوي في مشكل الآثار (١٤/١٢٩): لم يكن هذا عندنا بمفسد لهذا الحديث ولا مقصر به عن إطلاق الاحتجاج به وإضافته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه وإن كان هذان قد روياه عن مالك موقوفا، فقد رواه من هو أجل منهما عن مالك مرفوعا، وقد روى هذا الحديث أيضا عن عمرو بن مسلم مرفوعا غير مالك بن أنس، وهو سعيد بن أبي هلال. ثم قال بعد أسطر: فلم يكن هذا عندنا بمضاد لهذا الحديث ولا مقصرا به عما رواه ابن عيينة عليه، لأن أنسا وإن قصر به فلم يرفعه، فقد رفعه من ليس بدونه عن عبد الرحمن بن حميد، وهو سفيان بن عيينة، ثم نظرنا: هل روي هذا الحديث من غير هذا الوجه أم لا؟ وبسط الكلام، وذكر وجها آخر، وقد رواه مسلم أيضا بهذا الوجه۔

الثالثة: حديث أم سلمة حجة، ولو ثبت أنه موقوف فهو في حكم المرفوع، لأن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي۔

الرابعة: نص بعض الحنفية على استحبابه، وإليه ميل الطحاوي وتقدم كلامه، وإنما أقول أنه يميل إليه لأن كلامه يحتمل أن يقول بسنيته أو وجوبه، والله أعلم. وجزم الكشميري بالاستحباب وتقدم كلامه. وقال علي القاري في المرقاة (٣/١٠٨١): ظاهر كلام شراح الحديث من الحنفية أنه يستحب عند أبي حنيفة، فمعنى قوله “رخص” أن النهي للتنزيه، فخلافه خلاف الأولى ولا كراهة فيه، خلافا للشافعي، انتهى. ونحوه في كلام العثماني في إعلاء السنن (١٧/٢٦٥)، وقال بأن كلمة لا بأس تفيد كراهة التنزيه. ويا ليت ثبت هذا المعنى عن الإمام. وقال الحلبي في شرح المنية (ص ٥٧٣) وأقره ابن عابدين في رد المحتار (٢/١٨١): وفي المضمرات عن ابن المبارك في تقليم الأظفار وحلق الرأس في العشر قال: لا تؤخر السنة، وقد ورد ذلك فلا يجب التأخير، انتهى. ومما ورد في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا دخل العشر وأراد بعضكم أن يضحي فلا يأخذن شعرا ولا يقلمن ظفرا، فهذا محمول على الندب دون الوجوب بالإجماع. فظهر قوله: فلا يجب التأخير، إلا أن نفي الوجوب لا ينافي الاستحباب، فيكون مستحبا إلا إن استلزم الزيادة على وقت إباحة التأخير ونهايته ما دون الأربعين، فإنه لا يباح ترك قلم الأظفار ونحوه فوق الأربعين. قال في القنية: الأفضل أن يقلم أظفاره ويقص شاربه ويحلق عانته وينظف بدنه بالاغتسال في كل أسبوع، وإلا ففي كل خمسة عشر يوما، ولا عذر في تركه وراء الأربعين ويستحق الوعيد، فالأسبوع أفضل والخمسة عشر هو الأوسط والأربعون الأبعد، انتهى، انتهى كلام الحلبي. وقوله بالإجماع فيه نظر ظاهر، فإن أحمد وجماعة أوجبوا الإمساك، ثم رأيت الشيخ ظفر أحمد العثماني تعقبه في إعلاء السنن (١٧/٢٦٤)۔

ووافق الحلبيَ شيخُ مشايخنا في أوجز المسالك (٩/٢٣٩) وشيخه خليل أحمد السهارنفوري في بذل المجهود (٩/٥٣٧) وعزيز الرحمن العثماني في فتاويه (٥/١٤٨) وظفر أحمد العثماني في إعلاء السنن (١٧/٢٦٤) وعبد الرحيم اللاجفوري في فتاويه (١٠/٣١) وعامة مشايخنا بالهند، وبالاستحباب قال محمود حسن الجنجوهي في فتاويه (٢٦/٣٥١) ورشيد أحمد اللديانوي في أحسن الفتاوى (٧/٤٩٦). وإليه ميل اللكنوي، لأنه قال في التعليق الممجد (٢/٦١٢) تحت حديث نافع أن ابن عمر حلق رأسه حين ذبح كبشه: والظاهر أن حلقه وقع اتفاقا أو أراد به التشبه بالحاج استحبابا فلا ينافي نفيه إيجابا، كذا قال القاري والأظهر أن يقال: إنه صدر اتباعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أراد أن يضحي ورأى الهلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي، أخرجه مسلم وغيره، فلعل ابن عمر لم يأخذ شعره وأظفاره حتى ضحى فحلق شعره وأخذ أظفاره، انتهى۔

الخامسة: استأنس الطحاوي في مشكل الآثار (١٤/١٤٤) بحديث عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله عز وجل لهذه الأمة. قال الرجل: أرأيت إن لم أجد إلا أضحية أنثى أفأضحي بها؟ قال: لا، ولكن تأخذ من شعرك وأظفارك وتقص شاربك وتحلق عانتك، فتلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل، رواه أبو داود (٢٧٨٩) والنسائي (٤٣٦٥) وصححه ابن حبان (٥٩١٤) والحاكم (٧٥٢٩) وأقره الذهبي. قال الطحاوي: كان الذي في هذا الحديث شدا لما في حديث أم سلمة وتقوية له، انتهى۔

السادسة: حديث عائشة عام، وحديث أم سلمة خاص يجب تقديمه، بتنزيل العام على ما عدا ما تناوله الحديث الخاص، كما تقدم من كلام ابن قدامة، وحديث أم سلمة حديث قولي وهو يقدم على الحديث الفعلي إن ثبت فيهما التعارض ولم يثبت۔

خلاصة المذاهب

فخلاصة الكلام في المقام أن أبا حنيفة لم يقل بندب الإمساك، لكن قال به الطحاوي وجماعة من متأخري أصحابه، وهو الراجح من جهة الدليل، والاستحباب مذهب المالكية والشافعية كما في مختصر خليل وشرحه للدردير (٢/١٢١) وشرح المهذب (٨/٣٩١). أما الحنابلة فلأخذ الشعر وقلم الظفر عندهم قولان: التحريم والكراهة، ذكرهما ابن قدامة (٩/٤٣٦) وابن مفلح في الفروع (٦/١٠٣) والتحريم هو المذهب كما في الإنصاف للمرداوي (٤/١٠٩)، فالإمساك واجب عندهم. ولعل أبا حنيفة وصاحبيه لم يبلغهم حديث أم سلمة، أو جعلوه منسوخا، والله أعلم۔

Allah knows best

Yusuf Shabbir

28 Rajab 1440 / 3 April 2019

Approved by: Mufti Shabbir Ahmed and Mufti Muhammad Tahir