Imam Bukhārī’s stance on drinking milk from same animal resulting in Maḥram relationship
Question
Is it true that Imam Bukhārī gave a Fatwa that if two babies are fed milk of the same animal, this will establish Ḥurmat Raḍāʿah and the Maḥram relationship between the two, similar to if they were breastfed by the same foster mother, and that he was forced to leave from Bukhara as a result of this Fatwa?
بسم الله الرحمن الرحیم
Answer
This Fatwa and incident have been mentioned by several jurists. However, we have not come across any established source for this and it appears to be an error in transmission. This is further supported by the fact that Imam Ibn al-Mundhir (d. 318/930-1) has cited the Ijmāʿ (consensus) of scholars that drinking milk from the same animal does not establish ḥurmat (prohibition).
It is worth noting that according to some scholars, Imam Bukhārī (d. 256/870) was forced to leave Bukhara on up to four occasions. However, we have not been able to substantiate this, as we have only come across evidence for him being forced to leave once shortly before his demise.
قال السرخسي في المبسوط (٥/١٣٩): ولو أرضع الصبيان من بهيمة لم يكن ذلك رضاعا، وكان بمنزلة طعام أكلاه من إناء واحد، ومحمد بن إسماعيل صاحب الأخبار رحمه الله تعالى يقول: يثبت به حرمة الرضاع، فإنه دخل بخارى في زمن الشيخ الإمام أبي حفص رحمه الله تعالى وجعل يفتي، فقال له الشيخ رحمه الله تعالى: لا تفعل فلست هنالك، فأبى أن يقبل نصحه حتى استفتي عن هذه المسألة، إذا أرضع صبيان بلبن شاة، فأفتى بثبوت الحرمة، فاجتمعوا وأخرجوه من بخارى بسبب هذه الفتوى. وقال (٣٠/٢٩٧): ولو أن صبيين شربا من لبن شاة أو بقرة لم تثبت به حرمة الرضاع، لأن الرضاع معتبر بالنسب، وكما لا يتحقق النسب بين آدمي وبين البهائم فكذلك لا تثبت حرمة الرضاع بشرب لبن البهائم. وكان محمد بن إسماعيل البخاري صاحب التاريخ رضي الله عنه يقول: تثبت الحرمة، وهذه المسألة كانت سبب إخراجه من بخارى، فإنه قدم بخارى في زمن أبي حفص الكبير رحمه الله وجعل يفتي، فنهاه أبو حفص رحمه الله وقال: لست بأهل له، فلم ينته حتى سئل عن هذه المسألة فأفتى بالحرمة، فاجتمع الناس وأخرجوه، انتهى۔
وهذه القصة نقلها غير واحد من أصحابنا الحنفية، كالزيلعي في التبيين (٢/١٨٦) والبابرتي في العناية (٣/٤٥٦) وابن الهمام في فتح القدير (٣/٤٥٧) وابن نجيم في البحر (٣/٢٤٦)، وكذا أصحاب التراجم كعبد القادر القرشي في الجواهر المضية (١/٦٧) وعلي القاري في الأثمار الجنية (١/٣١٩) والغزي في الطبقات السنية (١/٣٩٥) والكفوي في كتائب أعلام الأخيار (١/٤٦٠)، وأكثرهم عزوه إلى السرخسي۔
لكن قال اللكنوي في الفوائد البهية (ص ٣٩): وهي حكاية مشهورة في كتب أصحابنا، ذكرها أيضا صاحب العناية وغيره من شراح الهداية، لكنى أستبعد وقوعها بالنسبة إلى جلالة قدر البخاري ودقة فهمه وسعة نظره وغور فكره مما لا يخفى على من انتفع بصحيحه، وعلى تقدير صحتها فالبشر يخطئ، انتهى كلام اللكنوي۔
وقال الشلبي في حاشية التبيين (٢/١٨٦): وذكر العمادي في الفصل الثامن والثلاثين أن سبب إخراجه قوله: الإيمان مخلوق اهـ، انتهى. وستأتي عبارة العمادي۔
وقال شيخنا العلامة الحافظ الناقد محمد يونس الجونفوري في سنة ١٤١٥ه: كذا نقله شمس الأئمة السرخسي، وتبعه صاحب الكفاية والعناية وغيرهما. ثم قال: إن هي إلا أسطورة، أورثها وهم، وليس لها أصل، ولا يمكن أن يصدر مثل هذا عن محدث، فكيف عن إمام المحدثين الذي حفظ كتب ابن المبارك ووكيع وأصحاب الرأي وهو ابن ست عشرة سنة، وحفظ الأحاديث واطلع على مغزاها وحصل مقاصدها، ولا قوة إلا بالله العظيم، انتهى. وحكاه الوالد المفتي شبير أحمد حفظه الله تعالى في مقدمته على الصحيح، وزاد: كتب التاريخ خالية عن ذكره. وأيضا نقل إمام الخلافيات ابن المنذر في الإجماع (ص ٤١) إجماعهم على عدم ثبوت الحرمة بشرب لبن البهيمة. وقد ترجم البخاري في صحيحه (٥٠٩٩): باب وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم. ولو ثبت إسناد القصة فالظاهر أنها مما اخترعها مخالفوه وأشاعوها، انتهى بتصرف يسير. ورأيت في بعض ملفوظات شيخنا محمد يونس الجونفوري (ص ٨٦٥) أنها أكذوبة من الأكاذيب، وأن سبب الوهم أن السرخسي ألف مبسوطه وهو مسجون، فذكر فيه أشياء كثيرة من غير تحقيق۔
وأطنب الكلام الشيخ محمد جمال الدين القاسمي الدمشقي في تأليفه: حياة البخاري (ص ٤٨) على هذه الفرية، فنقلها من شرح المنار للنسفي وبالغ في الرد عليها. قال أثناء الرد عليها (ص ٥٠): لم يعزها لمن رواها حتى يعلم مصدرها، انتهى. والظاهر أن مصدره هو المبسوط، لأنه أول من ذكرها فيما وقفت عليه. وقال (ص ٥١): دعوى أن البخاري أخرج من بخارى بسببها لم يذكرها أحد من المؤرخين ولا من القصاص الإخباريين، مع أن من ترجم البخاري من أحرار الأفكار ونقدة الرجال لم يغادروا نبأ له إلا وسطروه، ولا أمرا من ماجرياته إلا ودونوه، وقد علمت ما حكوه من ماجرياته مع الذهلي وأمير بلده في مسألة الكلام. وقال: من سمع هذه القصة وأعار نظره ما أورده البخاري في كتاب النكاح من أبواب الرضاع من فقه السنة والأحكام، يعجب غاية العجب من كذب لا يعقل وافتراء لا يقبل، لأن من أجاب في الرضاع بما لم تجب به الصبيان ولا الأطفال، فأنى له أن يزاحم الأئمة فيما يستنبط من أحكامه وفقهه، انتهى۔
وهكذا جزم عبد السلام المباركفوري في تأليفه سيرة الإمام البخاري (١/١٨٣) بأنها فرية ونقل كلام اللكنوي۔
وأما قول الشيخ عبد الرشيد النعماني في تأليفه ما تمس إليه الحاجة لمن يطالع ابن ماجه (ص ٢٧) وطبعه الشيخ عبد الفتاح باسم: الإمام ابن ماجه وكتابه السنن (ص ١٢٩): وأما البخاري ففتياه في ثبوت الحرمة بين صبيين شربا من لبن شاة معروفة، والقصة مشهورة ذكرها القاضي حسين بن محمد بن الحسن الدياربكري في تاريخه المعروف بالخميس (٢/٣٨٢، طبع مصر) وأشار إليها العلامة ابن حجر المكي الشافعي في الخيرات الحسان (ص ٧٠، طبع مصر)، ولا استبعاد في وقوع هذا عن البخاري، ولو تدبرت كتابه لبان لك أن أكثر استنباطاته لا تجري على أصول الفقهاء، انتهى. فقال الشيخ عبد الفتاح أبو غدة تحت ذكر الخميس: ولكنه لم يذكر سندها لا هو ولا غيره فيما أعلم، ففي نسبتها للإمام البخاري وقفة، انتهى. وكلامه في استنباط البخاري غير صحيح كما لا يخفى على من أنصف، وكان شيخنا العلامة محمد يونس الجنفوري يقول: الإمام البخاري أفقه خلق الله. وما عزاه إلى الخميس، فليس بحجة، لأنه نقله من شرح المنار للنسفي، وهذا نص ما ورد في تاريخ الخميس (٢/٣٤٢): وفي الكشف شرح المنار في أن المحدث غير الفقيه يغلط كثيرا، فقد روي عن محمد بن إسماعيل صاحب الصحيح أنه استفتي في صبيين شربا من لبن شاة، فأفتى بثبوت الحرمة بينهما، فأخرج به من بخارا، إذ الأختية تتبع الأمية، والبهيمة لا تصلح أما للآدمي، انتهى. وكشف الأسرار للنسفي المتوفى سنة ٧١٠ه مطبوع، وقد تقدم أن السرخسي المتوفى في حدود سنة ٤٩٠ه أول من ذكر القصة فيما وقفت عليه. وأما ابن حجر المكي المتوفى سنة ٩٧٤ه فلم ينسبه إلى البخاري، قال (ص ١٧٢): وقد قال المحققون: لا يستقيل العمل بالحديث بدون استعمال الرأي فيه، إذ هو المدرك لمعانيه التي هي مناط الأحكام. ومن ثمة لما لم يكن لبعض المحدثين تأمل لمدرك التحريم في الرضاع قال بأن المرتضعين بلبن شاة تثبت بينهما المحرمية، انتهى. والظاهر أنه أخذه من كتب أصحابنا الحنفية أو أراد غير البخاري، والأول هو الأظهر، والله أعلم۔
وحكى شيخ مشايخنا محمد زكريا الكاندهلوي في لامع الدراري (١/٥٣) كلام اللكنوي وبعض ما حكاه عبد الرشيد النعماني، ثم قال: ومع حكايتها عن غير الحنفية فاستبعادها ظاهر، انتهى۔
قال العبد الضعيف عفا الله عنه: لم أجد القصة مسندا مع التتبع، لم يذكرها الخطيب وابن عساكر وابن الجوزي وابن خلكان والمزي والذهبي وابن كثير والتاج السبكي وابن حجر، والسرخسي مع جلالة شأنه لم يذكر مرجعها. ولا عبرة لكثرة من حكى هذه القصة بعده. يقول العلامة شهاب الدين المرجاني في ناظورة الحق في فرضية العشاء وإن لم يغب الشفق (ص ٣٩٦): مجرد وجدان القول الواحد في كتب متعددة لا يوجب تكثر الرواية، انتهى۔
ومما يؤيد عدم ثبوت القصة أن أبا حفص الكبير ولد في سنة ١٥٠ه كما في السير (١٠/١٥٧) وفتح القدير (٣/٤٥٧) والبحر الرائق (٣/٢٤٦)، وتوفي في المحرم سنة ٢١٧ه كما في السير وتاريخ بخارى للنرشخي كما في حسن التقاضي (ص ٧٣). والإمام البخاري ولد سنة ١٩٤ه وتوفي سنة ٢٥٦ه، كذا في تاريخ الخطيب (٢/٦) وغيره. وسافر إلى الحج سنة ٢١٠ه وكان أول رحلته، وكان في المدينة المنورة سنة ٢١٢ه، كما يدل عليه ما رواه الخطيب (٢/٧). قال ابن كثير في تاريخه (١١/٢٥): وحج وعمره ثماني عشرة سنة. فأقام بمكة يطلب بها الحديث، ثم رحل بعد ذلك إلى سائر مشايخ الحديث في البلدان التي أمكنته الرحلة إليها، وكتب عن أكثر من ألف شيخ، انتهى. ولم أجد نصا على أنه رجع إلى بخارى قبل وفاة أبي حفص الكبير وبدأ يفتي. بل الظاهر أن أبا حفص الكبير توفي قبل حادثة إخراج البخاري بسنوات كثيرة۔
ولو كان ثابتا لكان الأوجه أن يكون صاحب القصة أبا عبد الله محمد بن أحمد بن حفص وهو ابن أبي حفص الكبير، الذي كناه القاري في الأثمار الجنية واللكنوي في الفوائد البهية والكشميري في فيض الباري (١/٥٠٣ و ٢/٣٥١) بأبي حفص الصغير، المتوفى في رمضان سنة ٢٦٤ه، كما في السير (١٢/٦١٨)، وذلك لأنه هو الذي تولى إخراج الإمام البخاري في آخر عمره. قال الذهبي في السير (١٢/٦١٧): وكتب الذهلي إلى خالد أمير بخارى وإلى شيوخها بأمره، فهم خالد حتى أخرجه محمد بن أحمد بن حفص إلى بعض رباطات بخارى، فبقي إلى أن كتب إلى أهل سمرقند يستأذنهم في القدوم عليهم فامتنعوا عليه، ومات في قرية، انتهى. وراجع (١٢/٤٦٣). وتردد الكشميري في فيض الباري (٢/٣٥١) في صحته، قال: ولي فيه تردد لما ذكر الحافظ رحمه الله تعالى في مقدمة الفتح أن أبا حفص الصغير كان رفيقا للبخاري في أسفاره، حتى أنهما كانا يتهادان أحدهما إلى الآخر، فما دام لا يتحقق للتغاضب بينهما سبب، لا أثق بتلك الحكاية، انتهى. وصرح الذهبي في السير (١٢/٦١٨) أنه رافق البخاري في الطلب مدة، لكن هذا كان في زمن الطلب، ولا يستلزم به عدم وقوع هذه القصة في آخر حياتهما، ومثل هذا يقع بين الأقران. ولذلك ذكر العلامة الكوثري في حسن التقاضي (ص ٧١) وحكاه الشيخ عبد الفتاح في تعليقه على قواعد في علوم الحديث (ص ٣٨٢) أن أبا حفص الصغير هو الذي أخرج البخاري من بلده لا أبوه، لتقدم وفاة أبيه سنة ٢١٧ه. لكن الذهبي لم يذكر مسألة الرضاع، وإنما ذكر مسألة اللفظ وكتاب محمد بن يحيى الذهلي إلى والي بخارى الأمير خالد الذهلي. وما جرى بين البخاري والذهلي بنيسابور معروف، ذكره الخطيب (٢/٢٩) وغيره، وكان قدوم البخاري بنيسابور في سنة مائتين وخمسين، كما ذكره الحافظ في مقدمة الفتح (١/٤٩٠) عن الحاكم في تاريخه، وخرج من نيسابور في السنة نفسها، بدليل أن ابن أبي حاتم صرح في الجرح والتعديل (٧/١٩١) بأن البخاري قدم الري سنة مائتين وخمسين، وسمع منه أبو حاتم وأبو زرعة ثم تركا حديثه عندما كتب إليهما محمد بن يحيى النيسابوري أنه أظهر عندهم أن لفظه بالقرآن مخلوق، انتهى. أما الكوثري فذكر في تعليقه على شروط الأئمة الخمسة (ص ٥٨) أنه أخرج بسبب فتوى كان أخطأ فيها، ولم يعينها، فالله أعلم هل أراد مسألة الرضاع أم غيرها۔
ومال الشيخ عبد الرشيد النعماني في تعليقاته على دراسات اللبيب إلى أن البخاري أخرج من بلده أربع مرات: أولها قبل وفاة أبي حفص الكبير في مسألة الرضاع، ثانيها قبيل وفاة أبي حفص الكبير أيضا في مسألة خلق الإيمان كما تقدم من كلام العمادي، وكان حينئذ ابن ثلاث وعشرين، ثالثها في مسألة اللفظ وفيها أخرجه محمد بن أحمد بن حفص كما تقدم من كلام الذهبي، ورابعها في إنكاره طلب الأمير خالد بن أحمد الذهلي أن يعلم أولاده في منزله، كذا نقله الشيخ فضل الرحمن الأعظمي في هدية الدراري (ص ٦٧)۔
وهذا الأخير رواه الخطيب (٢/٣١) والحاكم في تاريخه كما في مقدمة الفتح (١/٤٩٠) وغيرهما، وأنا متردد في صحة بقيتها.
أما الأول وهو المقصود هنا، فغير ثابت لما تقدم، لا قبل وفاة أبي حفص الكبير ولا بعدها۔
وأما الثاني فنقله العمادي كما أشير إليه في كلام الشلبي، ولعله هو المشار إليه في كلام عبد القاهر القرشي في الجواهر المضية (٢/٢٤٠) إذ قال: أبو بكر بن حامد الإمام الزاهد من أقران أبي حفص الكبير ومن قام معه في إخراج البخاري من بخارى، انتهى. وهذا نص كلام العمادي في الفصول العمادية (ق ٢٨٤/أ) في الفصل الثالث والثمانين: وحكي أنه وقعت هذه المسألة بفرغانة، فأتى بمحضر منها إلى أئمة بخارا، فكتب فيه الشيخ الإمام الزاهد أبو حفص والشيخ الإمام أبو بكر الإسماعيلي أن الإيمان غير مخلوق، ومن قال بخلقه فهو كافر. وقد أخرج كثير من الناس من بخارى، منهم محمد بن إسماعيل صاحب الجامع بسبب قولهم الإيمان مخلوق، انتهى. وهذا كما ترى نص كلام العمادي وهو يرويه بصيغة حكي ولم يذكر مرجعه. والعمادي هو بعد عهد المرغيناني صاحب الهداية بلا خلاف، ومال الكفوي في كتائب أعلام الأخيار (٣/١٦٥) واللكنوي في الفوائد البهية (ص ١٥٩) والبغدادي في هدية العارفين (١/٥٦٠) إلى أنه حفيد صاحب الهداية، وهو عبد الرحيم أبو الفتح زين الدين بن أبي بكر عماد الدين بن صاحب الهداية، قال اللكنوي: فرغ من تأليف الفصول العمادية في شعبان سنة إحدى وخمسين وسمائة بسمرقند. وراجع كتائب أعلام الأخيار (٣/١٦٢ و ١٦٣) وكشف الظنون (٢/١٢٧٠). ولم أجد إخراجه من بخارى بهذا السبب في كلام الخطيب وابن عساكر وابن الجوزي وابن خلكان والمزي والذهبي وابن كثير والتاج السبكي وابن حجر وغيرهم. نعم، قال ابن تيمية في فتاويه (٧/٦٥٨): نشأ بين أهل السنة والحديث النزاع في مسألتي القرآن والإيمان بسبب ألفاظ مجملة ومعاني متشابهة، وطائفة من أهل العلم والسنة كالبخاري صاحب الصحيح ومحمد بن نصر المروزي وغيرهما قالوا: الإيمان مخلوق، وليس مرادهم شيئا من صفات الله، وإنما مرادهم بذلك أفعال العباد، وقد اتفق أئمة المسلمين على أن أفعال العباد مخلوقة، انتهى. وعلى أفعال العباد حمل شيخنا محدث العصر محمد يونس الجونفوري قول البخاري. وهذا مروي عن الإمام أحمد، قال ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (١/٩٣) في ترجمة إبراهيم بن الحكم القصار: نقل عن إمامنا أحمد أشياء، منها قال: سئل أحمد بن محمد بن حنبل عن الإيمان مخلوق أم لا قال: أما ما كان من مسموع فهو غير مخلوق، وأما ما كان من عمل الجوارح فهو مخلوق، انتهى. ورأيت في ترجمة الحافظ الناقد أبي بكر الفضل بن العباس الرازي المعروف بفضلك الصائغ المتوفى سنة ٢٧٠ه أنه أخرج من بلده بسبب قوله: الإيمان مخلوق، ذكره ابن عبد الهادي في طبقات علماء الحديث (٢/٣٠٠). وعلق عليه الذهبي في تذكرة الحفاظ (٢/١٣٣)، قال: وأما مسألة خلق الإيمان وعدمه ففيها بحث ليس هذا موضعه والسكوت أولى وأسلم، انتهى. وقال في السير (١٢/٦٣٠): هذه من مسائل الفضول، والسكوت أولى، والذي صح عن السلف وعلماء الأثر أن الإيمان قول وعمل، وبلا ريب أن أعمالنا مخلوقة، لقوله تعالى: والله خلقكم وما تعملون. فصح أن بعض الإيمان مخلوق، وقولنا: لا إله إلا الله فمن إيماننا، فتلفظنا بها أيضا من أعمالنا. وأما ماهية الكلمة الملفوظة، فهي غير مخلوقة، لأنها من القرآن، أعاذنا الله من الفتن والهوى، انتهى. وانظر كلامه في السير (١٤/٣٩) في ترجمة محمد بن نصر المروزي. وراجع مقدمة الفتح (١/٤٩٠)۔
وأما الثالث فظني أن الإمام سافر من نيسابور إلى بلاد مختلفة كالري قبل وصوله إلى بخارى. فلما وصل إلى بخارى بقي هناك أياما. ثم أخرجه الأمير خالد بسبب إنكاره تعليم أولاده في منزله، هذا هو السبب الأصلي، لكن الأمير كان قد وصل إليه كتاب محمد بن يحيى الذهلي، فطلب من مشايخ بخارى أن يعاونوه لإخراجه، فتكلموا في مذهبه، فكان مذهبه في الواقع سببا ثانويا لإخراجه. وعلى هذا لم يخرج في زمن الأمير خالد الذهلي إلا مرة واحدة. ولا أظن أن البخاري عاد إلى بخارى بعد مدة قليلة من إخراجه، وإن كان ممكنا نظرا إلى تاريخ وفاته، لكن مثل هذا لا يثبت بمجرد الاحتمال. ولم أر التصريح فيما روى الخطيب وغيره أن البخاري أخرج مرتين من بخارى بعد ما حدث له بنيسابور، وعامة المترجمين للبخاري لا يذكرون إلا إخراجه على يد الأمير خالد الذهلي، وذكر الذهبي في ترجمة أبي حفص الصغير أنه تولى إخراج البخاري بسبب مسألة اللفظ، لكن ظاهر كلام الذهبي أن البخاري لم يرجع إلى بخارى بعد ذلك، وهذا كلامه الذي تقدم: وكتب الذهلي إلى خالد أمير بخارى وإلى شيوخها بأمره، فهم خالد حتى أخرجه محمد بن أحمد بن حفص إلى بعض رباطات بخارى، فبقي إلى أن كتب إلى أهل سمرقند يستأذنهم في القدوم عليهم فامتنعوا عليه، ومات في قرية، انتهى. وهذا كالصريح في أنه لم يرجع بعد ما أخرج. ويدل على التطبيق المذكور ما ذكر الذهبي في ترجمة الإمام البخاري، قال في السير (١٢/٤٦٣): روى أحمد بن منصور الشيرازي قال: سمعت بعض أصحابنا يقول: لما قدم أبو عبد الله بخارى نصب له القباب على فرسخ من البلد، واستقبله عامة أهل البلد حتى لم يبق مذكور إلا استقبله، ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير، فبقي أياما. قال: فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارى: إن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة. فقرأ كتابه على أهل بخارى، فقالوا: لا نفارقه، فأمره الأمير بالخروج من البلد، فخرج، انتهى. ففيه أن البخاري مكث ببخارى أياما، وأن الذهلي كتب إلى أمير بخارى بعد وصول البخاري إلى بخارى، ولعل ذلك كان بعد ما وصل شهرة البخاري ببخارى إلى نيسابور، مع أن الذهبي تكلم في سنده للانقطاع فيه، وشذوذ ما وقع فيه في قصة الوفاة. وبكل حال، ثم ذكر الذهبي قصة البخاري مع الأمير خالد، وهي التي رواها الخطيب (٢/٣٢) من طريق الحاكم عن محمد بن العباس الضبي يقول سمعت أبا بكر بن أبي عمرو الحافظ يقول: كان سبب مفارقة أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري البلد يعني بخارى أن خالد بن أحمد الذهلي الأمير خليفة الطاهرية ببخارى سأل أن يحضر منزله، فيقرأ الجامع والتاريخ على أولاده، فامتنع أبو عبد الله عن الحضور عنده، فراسله أن يعقد مجلسا لأولاده لا يحضره غيرهم، فامتنع عن ذلك أيضا. وقال: لا يسعني أن أخص بالسماع قوما دون قوم. فاستعان خالد بن أحمد بحريث بن أبي الورقاء وغيره من أهل العلم ببخارى عليه، حتى تكلموا في مذهبه، ونفاه عن البلد فدعا عليهم أبو عبد الله محمد بن إسماعيل، إلى آخر الأثر. ففيه أن السبب الأصلي للإخراج هو امتناعه عن تخصيص أولاده بالسماع. والظاهر أن حريث بن أبي الورقاء وغيره كأبي حفص الصغير (إن صح ذلك وأنا متردد فيه بسبب تفرد الذهبي بذكره لا بسبب الذي ذكره الكشميري) أخرجوا مسألتي القرآن والإيمان وغيرهما، وأخرجوا البخاري، وقرأ الأمير خالد كتاب محمد بن يحيى الذهلي أمام الناس، لكنهم قالوا: لا نفارقه. ورغم ذلك أخرجه الأمير. فالذي يظهر أن الإمام البخاري لم يثبت إخراجه من بخارى إلا مرة واحدة، وكان ذلك قبيل وفاته، هذا ما ظهر للعبد الضعيف بعد إمعان النظر، والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال۔
Allah knows best
Yusuf Shabbir
30 Rabīʿ al-Thānī 1440 / 6 January 2019
Approved by: Mufti Shabbir Ahmed and Mufti Muhammad Tahir