Sahih Muslim narration on Abu Sufyan and Umm Habibah (may Allah be pleased with them)

Sahih Muslim narration on Abu Sufyan and Umm Habibah (may Allah be pleased with them)

Ṣaḥīḥ Muslim narration on Abū Sufyān and Umm Ḥabībah (may Allah be pleased with them)

Question

Is the following narration in Ṣaḥīḥ Muslim

حدثني عباس بن عبد العظيم العنبري وأحمد بن جعفر المعقري قالا: حدثنا النضر وهو ابن محمد اليمامي، حدثنا عكرمة، حدثنا أبو زميل، حدثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله ثلاث أعطنيهن، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله، أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية، تجعله كاتبا بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم، قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك، لأنه لم يكن يسأل شيئا إلا قال: نعم

authentic and is all its content correct? When was the marriage of Umm Ḥabībah (may Allah be pleased with her)? Is there any explanation or reconciliation?

In addition, what does كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه mean? Was this the behaviour of the Muslims towards Abū Sufyān until his demise?

بسم الله الرحمن الرحیم

Answer

All the musnad ḥadīths in Ṣaḥīḥ Bukhārī are Ṣaḥīḥ without exception. The same is true for Ṣaḥīḥ Muslim with the exception of a handful narrations which are differed upon. This ḥadīth is from among them because it contradicts the widely accepted fact that Umm Ḥabībah (may Allah be pleased with her) married the Prophet ﷺ much before her father Abū Sufyān accepted Islam. This is why many ḥadīth experts are of the view that one of the narrators has made an inadvertent error in a part of this narration and perhaps also in another part. Other scholars have attempted to reconcile the narrations. One explanation is that Abū Sufyān intended to renew the Nikāḥ. This however is not supported by the wording of the ḥadīth. Several other explanations have also been given, which are outlined below within the Arabic references.

In relation to كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه, this appears to be in the immediate aftermath of Abū Sufyān (may Allah be pleased with him) accepting Islam, because it was initially not clear to the Muslims whether he had wholeheartedly accepted Islam and also because of his previous behaviour towards Muslims. This, however, was temporary and was not permanent until his demise.

قال البيهقي في السنن الكبرى (١٣٨٠٠): هذا أحد ما اختلف البخاري ومسلم فيه، فأخرجه مسلم بن الحجاج، وتركه البخاري، وكان لا يحتج في كتابه الصحيح بعكرمة بن عمار، وقال: لم يكن عنده كتاب فاضطرب حديثه. قال: وهذا الحديث في قصة أم حبيبة رضي الله عنها قد أجمع أهل المغازي على خلافه، فإنهم لم يختلفوا في أن تزويج أم حبيبة رضي الله عنها كان قبل رجوع جعفر بن أبي طالب وأصحابه من أرض الحبشة، وإنما رجعوا زمن خيبر، فتزويج أم حبيبة كان قبله وإسلام أبي سفيان بن حرب كان زمن الفتح أي فتح مكة بعد نكاحها بسنتين أو ثلاث، فكيف يصح أن يكون تزويجها بمسألته، وإن كانت مسألته الأولى إياه وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة، وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه لا يحتمل إن كان الحديث محفوظا إلا ذلك، والله تعالى أعلم، انتهى۔

وقال الحميدي في الجمع بين الصحيحين (٢/١٣١): قال لنا بعض الحفاظ: هذا الحديث وهم فيه بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين اثنين من أهل المعرفة بالأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل الفتح بدهر وهي بأرض الحبشة، وأبوها كافر يومئذ، وفي هذا نظر، انتهى۔

وقال القاضي عياض في إكمال المعلم (٧/٥٤٦): والمعروف أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم لها كان قبل الفتح. قال: والذي وقع في مسلم من هذا غريب جدا عند أهل الخبر. وخبرهما مع أبى سفيان عند ورود المدينة في حال شركه، وهي بعد زوج النبي عليه الصلاة والسلام معروف، انتهى۔

وقال ابن هبيرة الوزير في الإفصاح (٣/٢٥٠): في هذا الحديث وهم من بعض رواته بلا شك، لأن أهل التواريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت عند عبيد الله بن جحش، وولدت له وهاجر بها إلى الحبشة وهما مسلمان، ثم تنصر وثبتت على دينها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها، وذلك في سنة سبع من الهجرة، ولا خلاف أن أبا سفيان أسلم في فتح مكة، ولا نحفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا سفيان، انتهى۔

وقال عبد الحق الإشبيلي في الجمع بين الصحيحين (٣/٦٣٤): لم يخرج البخاري هذا الحديث، والصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة قبل إسلام أبي سفيان، انتهى۔

وقال ابن الجوزي في كشف المشكل (٤/١٤٠): وفي هذا الحديث وهم من بعض الرواة لا شك فيه ولا تردد، وقد اتهموا به عكرمة بن عمار راوي الحديث، وقد ضعف أحاديثه يحيى بن سعيد وقال: ليست بصحاح، وكذلك قال أحمد بن حنبل: هي أحاديث ضعاف، ولذلك لم يخرج عنه البخاري، وإنما أخرج عنه مسلم، لأنه قد قال يحيى بن معين: هو ثقة. وإنما قلنا: إن هذا وهم، لأن أهل التاريخ أجمعوا على أن أم حبيبة كانت عند عبد الله بن جحش، وولدت له، وهاجر بها وهما مسلمان إلى أرض الحبشة، ثم تنصر وثبتت هي على دينها، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي ليخطبها عليها، فزوجه إياها، وأصدقها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك سنة سبع من الهجرة، وجاء أبو سفيان في زمن الهدنة فدخل عليها، فتلت بساط رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يجلس عليه. ولا خلاف أن أبا سفيان ومعاوية أسلما في فتح مكة سنة ثمان، ولا نعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّر أبا سفيان. وقد أنبأنا ابن ناصر عن أبي عبد الله الحميدي قال: حدثنا أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الحافظ [وهو المعروف بابن حزم] قال: هذا حديث موضوع لا شك في وضعه، والآفة فيه من عكرمة بن عمار، ولم يختلف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل الفتح بدهر وأبوها كافر، انتهى. وراجع جامع المسانيد له (٤/١٣٩)۔

وقال أبو العباس القرطبي في المفهم (٦/٤٥٦): فقد ظهر أنه لا خلاف بين أهل النقل أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم متقدم على إسلام أبيها أبي سفيان، وعلى يوم الفتح، ولما ثبت هذا تعين أن يكون طلب أبي سفيان تزويج أم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه خطأ ووهما، وقد بحث النقاد عمن وقع منه ذلك الوهم فوجدوه قد وقع من عكرمة بن عمار. ثم قال بعد أسطر: قد تأول بعض من صح عنده ذلك الحديث بأن قال: إن أبا سفيان إنما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجدد معه عقدا على ابنته المذكورة ظنا منه أن ذلك يصح، لعدم معرفته بالأحكام الشرعية، لحداثة عهده بالإسلام، واعتذر عن عدم تأميره مع وعده له بذلك، لأن الوعد لم يكن مؤقتا، وكان يرتقب إمكان ذلك فلم يتيسر له ذلك إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لعله ظهر له مانع شرعي منعه من توليته الشرعية، وإنما وعده بإمارة شرعية فتخلف لتخلف شرطها، والله تعالى أعلم، انتهى. وهذه كله محتمل۔

والذي قاله هو ابن الصلاح، قال النووي في شرح مسلم (١٦/٦٣): وأنكر الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله هذا على ابن حزم وبالغ في الشناعة عليه، قال: وهذا القول من جسارته، فإنه كان هجوما على تخطئة الأئمة الكبار وإطلاق اللسان فيهم، قال: ولا نعلم أحدا من أئمة الحديث نسب عكرمة بن عمار إلى وضع الحديث، وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وغيرهما، وكان مستجاب الدعوة، قال: وما توهمه ابن حزم من منافاة هذا الحديث لتقدم زواجها غلط منه وغفلة، لأنه يحتمل أنه سأله تجديد عقد النكاح تطييبا لقلبه، لأنه كان ربما يرى عليها غضاضة من رياسته ونسبه أن تزوج بنته بغير رضاه أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد، وقد خفي أوضح من هذا على أكبر مرتبة من أبي سفيان ممن كثر علمه وطالت صحبته، هذا كلام أبي عمرو رحمه الله، وليس في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جدد العقد ولا قال لأبي سفيان إنه يحتاج إلى تجديده، فلعله صلى الله عليه وسلم أراد بقوله نعم أن مقصودك يحصل، وإن لم يكن بحقيقة عقد، والله أعلم، انتهى. والظاهر من هذا أن النووي لم يطمئن بتوجيه الحافظ ابن الصلاح۔

وحاول الحافظ عبد الغني المقدسي في المصباح في عيون الصحاح (٤٨، المكتبة الشاملة) الدفاع عن الرواية فقال: إن أبا سفيان لما أسلم أراد بهذا القول تجديد النكاح، لأنه إذ ذاك كان مشركا، فلما أسلم ظن أن النكاح تجدد بإسلام الولي وخفي ذلك عليه، وقد خفي على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الحكم في المذي مع قدم إسلامه وصحبته، وخفي على عبد الله بن عمر الحكم في طلاق الحائض، حتى سأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمره بالسنة في ذلك، ولهذا أشكال ونظائر غير خافية بين أهل النقل، والرجوع إلى هذا التأويل أولى من التخطي إلى الكلام في رجل ثقة وإبطال حديث ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصل الإسناد معتمد الرواة، انتهى. كلام الحافظ عبد الغني۔

ويرد عليه مجيء أبي سفيان المدينة المنورة في زمن الهدنة كما تقدَّم آنفا۔

وقال ابن كثير في البداية والنهاية (٦/١٤٩): والأحسن في هذا أنه أراد أن يزوجه ابنته الأخرى عزة، لما رأى في ذلك من الشرف له، واستعان بأختها أم حبيبة كما في الصحيحين، وإنما وهم الراوي هذا بتسميته أم حبيبة، وقد أفردنا لذلك جزءا مفردا، انتهى۔

وقال عبد الرحمن المعلمي اليماني في الأنوار الكاشفة (ص ٢٣٠): : لفظ مسلم قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، وفي سنده عكرمة ابن عمار بأنه يغلط ويهم، فمن أهل العلم من تكلم في هذا الحديث وقال: إنه من أوهام عكرمة، ومنهم من تأوله، وأقرب تأويل له أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم لما كان قبل إسلام أبي سفيان كان بدون رضاه فأراد بقوله: أزوجكها: أرضى بالزواج، فأقبل مني هذا الرضا، انتهى۔

وحكى ابن الملقن في الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (٨/١٤٩) عن ابن دحية في كتابه التنوير في مولد السراج المنير: هذا حديث موضوع دس في مسلم وركب له إسناد من الموضوعات على الثقات، انتهى. وأطال فيه ابن الملقن وقال: أجاب العلماء عن الإِشكال المذكور بأجوبة: أولها: أن أبا سفيان لما أسلم عام الفتح أراد بهذا القول تجديد النكاح، لأنه إذ ذاك كان مشركا، فلما أسلم ظن أن النكاح يتجدد بإسلام الولي، وخفي ذلك عليه، وقد خفي على أمير المؤمنين علي الحكم في المذي مع تقدم صحبته وفقهه وعلمه حتى أرسل وسأل عنه، وخفي على ابن عمر الحكم في طلاق الحائض. ولهذا نظائر لا تخفى على أهل النقل، قاله ابن طاهر وابن الصلاح والمنذري. ثانيها: لعله عليه الصلاة والسلام أراد بقوله نعم: إن مقصودك يحصل وإن لم يمكن تحقيقه بعقد، ويوضح هذا أنه ليس في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام جدد العقد، ولا أنه قال لأبي سفيان إنه يحتاج إلى تجديده، قاله النووي في شرحه. ثالثها: إنه يحتمل أن تكون مسألته الأولى إياه في تزويج أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه، فجمع الراوي بين المسائل الثلاث، ذكره البيهقي ثم المنذري. رابعها: ذكره شيخ شيوخنا الحافظ شرف الدين الدمياطي فقال: القول في كتاب مسلم حديث موضوع فيه نظر وتأويل أزوجكها: أرضى بزواجك بها، فإنه كان على رغم مني ودون اختياري، وإن كان زواجك صحيحا، لكن هذا أجمل وأحسن وأكمل لما فيه من تأليف القلوب. قال: أو يقول إن إجابته عليه الصلاة والسلام بنعم كانت تأنيسا له، ثم أخبر بصحة العقد بأنه لا يشترط رضاك، ولا ولاية لك عليها لاختلاف دينكما حالة العقد، قال: وهذا مما لا يمكن رفع احتماله. خامسها: ذكر البيهقي أن أبا سفيان كان يخرج إلى المدينة، فيحتمل أن يكون جاءها وهو كافر أو بعد إسلامه حين كان عليه الصلاة والسلام آلى من نسائه شهرا واعتزلهن، فتوهم أن ذلك طلاق، كما توهم عمر بن الخطاب. فقال أبو سفيان هذا القول، ووصف ابنته بما وصفها متعرضا ومتلطفا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجابه صلى الله عليه وسلم بنعم على تقدير إن وقع طلاق ولم يقع شيء من ذلك، قاله شيخنا قطب الدين عبد الكريم الحلبي رحمه الله. سادسها: أن الحديث على ظاهره، وأنه عليه الصلاة والسلام تزوجها بمسألة أبيها لما أسلم، وذكر الكلام۔

ولكن قال ابن القيم في تهذيب سنن أبي داود (٦/٧٦): وقد تكلف أقوام تأويلات فاسدة لتصحيح الحديث كقول بعضهم: إنه سأله تجديد النكاح عليها، وقول بعضهم: إنه ظن أن النكاح بغير إذنه وتزويجه غير تام، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزوجه إياها نكاحا تاما، فسلم له النبي صلى الله عليه وسلم حاله وطيب قلبه بإجابته، وقول بعضهم: إنه ظن أن التخيير كان طلاقا فسأل رجعتها وابتداء النكاح عليها، وقول بعضهم: إنه استشعر كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لها وأراد بلفظ التزويج استدامة نكاحها لا ابتداءه، وقول بعضهم: يحتمل أن يكون وقع طلاق، فسأل تجديد النكاح، وقول بعضهم: يحتمل أن يكون أبو سفيان قال ذلك قبل إسلامه كالمشترط له في إسلامه، ويكون التقدير: ثلاث إن أسلمت تعطينيهن، وعلى هذا اعتمد المحب الطبري في جواباته للمسائل الواردة عليه، وطول في تقريره. وقال بعضهم: إنما سأله أن يزوجه ابنته الأخرى، وهي أختها، وخفي عليه تحريم الجمع بين الأختين لقرب عهده بالإسلام، فقد خفي ذلك على ابنته أم حبيبة حتى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، وغلط الراوي في اسمها. وهذه التأويلات في غاية الفساد والبطلان، وأئمة الحديث والعلم لا يرضون بأمثالها، ولا يصححون أغلاط الرواة بمثل هذه الخيالات الفاسدة والتأويلات الباردة التي يكفي في العلم بفسادها تصورها وتأمل الحديث، وهذا التأويل الأخير وإن كان في الظاهر أقل فسادا فهو أكذبها وأبطلها، وصريح الحديث يرده فإنه قال: أم حبيبة أزوجكها، قال: نعم، فلو كان المسؤول تزويج أختها لما أنعم له بذلك صلى الله عليه وسلم، فالحديث غلط لا ينبغي التردد فيه والله أعلم، انتهى۔

وأطال ابن القيم الكلام في جلاء الأفهام (ص ٢٤٢)، قال فيه: ولم ينقل أحد قط أنه جدد العقد على أم حبيبة، ومثل هذا لو كان لنقل ولو نقل واحد عن واحد، فحيث لم ينقله أحد قط علم أنه لم يقع. وقال: وقالت طائفة لم يتفق أهل النقل على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة رضي الله تعالى عنها وهي بأرض الحبشة، بل قد ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة، حكاه أبو محمد المنذري، وهذا من أضعف الأجوبة لوجوه، وأطال فيها. وقال (ص ٢٤٩): وقالت طائفة منهم البيهقي والمنذري رحمهما الله تعالى: يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبي صلى الله عليه وسلم إن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خرجاته إلى المدينة وهو كافر حين سمع نعي زوج أم حبيبة بأرض الحبشة، والمسألة الثانية والثالثة وقعتا بعد إسلامه، فجمعها الراوي. وهذا أيضا ضعيف جدا، فإن أبا سفيان إنما قدم المدينة آمنا بعد الهجرة في زمن الهدنة قبيل الفتح، وكانت أم حبيبة إذ ذاك من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقدم أبو سفيان قبل ذلك إلا مع الأحزاب عام الخندق، ولولا الهدنة والصلح الذي كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم لم يقدم المدينة، فمتى قدم وزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة، فهذا غلط ظاهر. وأيضا فإنه لا يصح أن يكون تزويجه إياها في حال كفره إذ لا ولاية له عليها ولا تأخر ذلك إلى بعد إسلامه لما تقدم، فعلى التقديرين لا يصح قوله: أزوجك أم حبيبة. وأيضا فإن ظاهر الحديث يدل على أن المسائل الثلاثة وقعت منه في وقت واحد وأنه قال: ثلاث أعطنيهن الحديث، ومعلوم أن سؤاله تأميره واتخاذ معاوية كاتبا إنما يتصور بعد إسلامه، فكيف يقال بل سأل بعض ذلك في حال كفره وبعضه وهو مسلم، وسياق الحديث يرده. وقالت طائفة: بل يمكن حمل الحديث على محمل صحيح يخرج به عن كونه موضوعا، إذ القول بأن في صحيح مسلم حديثا موضوعا مما ليس يسهل، قال: وجهه أن يكون معنى أزوجكها أرضى بزواجك بها، فإنه كان على رغم مني وبدون اختياري وإن كان نكاحك صحيحا، لكن هذا أجمل وأحسن وأكمل لما فيه من تأليف القلوب، قال: وتكون إجابة النبي صلى الله عليه وسلم بـ نعم كانت تأنيسا ثم أخبره بعد بصحة العقد، فإنه لا يشترط رضاك ولا ولاية لك عليها لاختلاف دينكما حالة العقد، قال: وهذا مما لا يمكن دفع احتماله، وهذا مما لا يقوى أيضا، ولا يخفى شدة بعد هذا التأويل من اللفظ وعدم فهمه منه، فإن قوله: عندي أجمل العرب أزوجكها، لا يفهم منه أحد أن زوجتك التي هي عصمة نكاحك أرضى بزواجك بها، ولا يطابق هذا المعنى أن يقول له النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، فإنه إنما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أمرا تكون الإجابة إليه من جهته صلى الله عليه وسلم، فأما رضاه بزواجه بها فأمر قائم بقلبه هو، فكيف يطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم، ولو قيل طلب منه أن يقره على نكاحه إياها وسمى إقراره نكاحا لكان مع فساده أقرب إلى اللفظ. وكل هذه تأويلات مستكرهة في غاية المنافرة للفظ ولمقصود الكلام، انتهى۔

وهكذا قال صلاح الدين العلائي في التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة (ص ٧٣): ولا ريب بُعد هذه التأويلات، لأن ألفاظ الحديث صريحة في إنشاء العقد لا في تجديده، وسمعت بعض الحفاظ يذكر أن التي عرضها أبو سفيان ابنته الأخرى، التي عرضتها عليه أختها أم حبيبة رضي الله عنها في الحديث المشهور في الكتابين، ويرد على هذا كله قوله صلى الله عليه وسلم: نعم، في جواب ذلك، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يقول ذلك فيما لا يفعله، وقد قال لأم حبيبة رضي الله عنها لما عرضت أختها عليه: إن ذلك لا يحل لي، وأيضا لم ينقل أحد البتة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمّر أبا سفيان على جيش أصلا، فرد الحديث بالوهم أولى من تأويله بالمستكره من الوجوه، انتهى۔

وقال الدكتور موسى شاهين لاشين في فتح المنعم (٩/٥٣١): والحق أن الدفاع عن الرواية ضعيف وبعيد عن المعقول، سواء في ذلك توجيه أبي عمرو رحمه الله أو توجيه النووي رحمه الله، وتغليط الرواية أخف من تأويل ظاهر التمحل، انتهى۔

وقال شيخنا محمد تقي العثماني في تكملة فتح الملهم (١١/٢٠٩) بعد أن ذكر تأويل تجديد العقد: وهذا التأويل لا يستسيغه ظاهر لفظ الحديث، ولكنه يحتمل أن يكون قد وهم فيه أحد الرواة عند الرواية بالمعنى، انتهى۔

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (٧/٢١٥): وكذلك التصحيح لم يقلد أئمة الحديث فيه البخاري ومسلما، بل جمهور ما صححاه كان قبلهما عند أئمة الحديث صحيحا متلقى بالقبول، وكذلك في عصرهما وكذلك بعدهما قد نظر أئمة هذا الفن في كتابيهما، ووافقوهما على تصحيح ما صححاه، إلا مواضع يسيرة، نحو عشرين حديثا، غالبها في مسلم، انتقدها عليهما طائفة من الحفاظ، وهذه المواضع المنتقدة غالبها في مسلم، وقد انتصر طائفة لهما فيها، وطائفة قررت قول المنتقدة، والصحيح التفصيل، فإن فيها مواضع منتقدة بلا ريب، مثل حديث أم حبيبة، وحديث خلق الله البرية يوم السبت، وحديث صلاة الكسوف بثلاث ركوعات وأكثر. وفيها مواضع لا انتقاد فيها في البخاري، فإنه أبعد الكتابين عن الانتقاد، ولا يكاد يروي لفظا فيه انتقاد، إلا ويروي اللفظ الآخر الذي يبين أنه منتقد، فما في كتابه لفظ منتقد، إلا وفي كتابه ما يبين أنه منتقد. وفي الجملة من نقد سبعة آلاف درهم، فلم يرج عليه فيها إلا دراهم يسيرة، ومع هذا فهي مغيرة ليست مغشوشة محضة، فهذا إمام في صنعته. والكتابان سبعة آلاف حديث وكسر. والمقصود أن أحاديثهما انتقدها الأئمة الجهابذة قبلهم وبعدهم، ورواها خلائق لا يحصي عددهم إلا الله، فلم ينفردا لا برواية ولا بتصحيح، والله سبحانه وتعالى هو الكفيل بحفظ هذا الدين، كما قال تعالى: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، انتهى. وهذا هو القول الفصل كما ذكرته في مقدمة كتابي العناية في تحقيق الأحاديث الغريبة في الهداية (١/٢٠٨) وتبيان المقال في صوم الست من شوال (ص ٤٤)، ذكرت فيهما الخلاف في أن الأحاديث الموصولة في الصحيحين أكلها صحيحة أم لا، فراجعهما۔

وقال ابن تيمية في فتاويه (١٨/٧٣): وفيه أن أبا سفيان سأله التزوج بأم حبيبة وهذا غلط، انتهى۔

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (٧/١٣٧): قد ساق له مسلم في الأصول حديثا منكرا، وهو الذي يرويه عن سماك الحنفي عن ابن عباس في الأمور الثلاثة التي التمسها أبو سفيان من النبي صلى الله عليه وسلم، انتهى۔

وقال ابن حجر في الفتح (٩/٢٨٥) ضمن حديث آخر: وهذا من رواية عكرمة بن عمار بالإسناد الذي أخرج به مسلم أيضا قول أبي سفيان: عندي أجمل العرب أم حبيبة أزوجكها؟ قال: نعم، وأنكره الأئمة، وبالغ ابن حزم في إنكاره، وأجابوا بتأويلات بعيدة، ولم يتعرض لهذا الموضع وهو نظير ذلك الموضع، انتهى۔

وأما قول ابن عباس: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان بن حرب ولا يقاعدونه، فقال ابن الجوزي في كشف المشكل (٢/٤٦٤): وأما كون المسلمين كانوا لا ينظرون إليه ولا يقاعدونه فلأجل ما لقوا من محاربته، ثم ما كانوا يثقون بإسلامه، وهو معدود في المؤلفة قلوبهم، ثم إن الله ثبت الإسلام في قلبه فقاتل المشركين وبالغ، انتهى. وكذا قال أبو العباس القرطبي في المفهم (٦/٤٥٣): إنما كان ذلك لما كان من أبي سفيان من صنيعه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين في شركه، إذ لم يصنع أحد بهم مثل صنيعه، ثم إنه أسلم يوم الفتح مكرها، وكان من المؤلفة قلوبهم، وكأنهم ما كانوا يثقون بإسلامه، وقد ذكرنا اختلاف العلماء في نفاقه، انتهى۔

Allah knows best

Yusuf Shabbir

18 Dhū al-Qaʿdah 1444 / 7 June 2023

Approved by: Mufti Shabbir Ahmed and Mufti Muhammad Tahir